{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللهَ بِهِ عَلِيمٌ }
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
تفسير السعدي
الآيتين ٢١٥ - ٢١٦
تخصيص ثم تعميم منه سبحانه
يسألونك عن النفقة, وهذا يعم السؤال عن المنفق والمنفق عليه، فأجابهم عنهما فقال:
( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ) أي: مال قليل أو كثير, فأولى الناس به وأحقهم بالتقديم, أعظمهم حقا عليك,
وهم الوالدان الواجب برهما, والمحرم عقوقهما، ومن أعظم برهما, النفقة عليهما, ومن أعظم العقوق, ترك الإنفاق عليهما، ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة, على الولد الموسر،
ومن بعد الوالدين الأقربون, على اختلاف طبقاتهم, الأقرب فالأقرب, على حسب القرب والحاجة, فالإنفاق عليهم صدقة وصلة،
( وَالْيَتَامَى ) وهم الصغار الذين لا كاسب لهم, فهم في مظنة الحاجة لعدم قيامهم بمصالح أنفسهم, وفقد الكاسب, فوصى الله بهم العباد, رحمة منه بهم ولطفا،
( وَالْمَسَاكِينِ ) وهم أهل الحاجات, وأرباب الضرورات الذين أسكنتهم الحاجة, فينفق عليهم, لدفع حاجاتهم وإغنائهم.
( وَابْنَ السَّبِيلِ ) أي: الغريب المنقطع به في غير بلده, فيعان على سفره بالنفقة, التي توصله إلى مقصده.
ولما خصص الله تعالى هؤلاء الأصناف, لشدة الحاجة, عمم تعالى فقال:
( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) من صدقة على هؤلاء وغيرهم, بل ومن جميع أنواع الطاعات والقربات, لأنها تدخل في اسم الخير، ( فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه, ويحفظه لكم, كل على حسب نيته وإخلاصه, وكثرة نفقته وقلتها, وشدة الحاجة إليها, وعظم وقعها ونفعها..
هذه الآية, فيها فرض القتال في سبيل الله, بعد ما كان المؤمنون مأمورين بتركه, لضعفهم, وعدم احتمالهم لذلك،
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, وكثر المسلمون, وقووا أمرهم الله تعالى بالقتال،
وأخبر أنه مكروه للنفوس,
لما فيه من التعب والمشقة,
وحصول أنواع المخاوف والتعرض للمتالف،
ومع هذا, فهو خير محض,
لما فيه من الثواب العظيم,
والتحرز من العقاب الأليم,
والنصر على الأعداء والظفر بالغنائم, وغير ذلك, مما هو مرب, على ما فيه من الكراهة
{ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة,
فإنه شر, لأنه يعقب الخذلان,
وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله,
وحصول الذل والهوان, وفوات الأجر العظيم وحصول العقاب.
وهذه الآيات عامة مطردة, في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة أنها خير بلا شك،
وأن أفعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك.
وأما أحوال الدنيا, فليس الأمر مطردا, ولكن الغالب على العبد المؤمن, أنه إذا أحب أمرا من الأمور, فقيض الله [له] من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له,
فالأوفق له في ذلك, أن يشكر الله, ويجعل الخير في الواقع,
لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه, وأقدر على مصلحة عبده منه, وأعلم بمصلحته منه كما قال [تعالى:] { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره, سواء سرتكم أو ساءتكم.
مفردات من الجزائري
{ من خير }: من مال إذ المال يطلق عله لفظ الخير.
{ الأقربين }: كالأخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم والأخوال والخالات وأولادهم.
{ وما تفعلوا من خير }: ما: شرطية
ومن: بيانية والخير هنا لسائر أنواع البر والإِحسان.
{ فإن الله به عليم }: الجملة علّة لجواب الشرط المحذوف والمقدر يثيبكم عليه.
{ كُتِب }: فرض فرضا مؤكداً حتى لكأنه مكتوب كتابة.
{ القتال }: قتال الكافرين بجهادهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.
{ كُرْهُ }: مكروه في نفوسكم طبعاً.
{ عسى }: هذا الفعل معناه الترجي والتوقع أعني أن ما دخلت عليه مرجو الحصول متوقع لا على سبيل الجزم، إلاّ أنها إن كانت من الله تعالى تفيد اليقين.
تفسير الجزائري
الآية ٢١٥ - ١١٦
سبب نزول
سأل عمر بن الجموح وكان ذا مال
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق فنزلت الآية جوابا لسؤاله
فبينت أن ما ينفق هو المال
وسائر الخيرات
وأن الأحق بالإِنفاق عليهم هم :
الوالدان والأقربون، واليتامى والمساكين وأبناء السبيل.
وأعلمهم تعالى أن ما يفعله العبد من خير يعلمه الله تعالى ويجزي به فرغب بذلك في فعل الخير مطلقا.
يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال المشركين والكافرين وهو يعلم أنه مكروه لهم بطبعهم لما فيه من الآلام والأتعاب وإضاعة المال والنفس، وأخبرهم أن ما يكرهونه قد يكون خيراً، وأن ما يحبونه قد يكون شرّاً،
ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما فيه من عزتهم ونصرتهم ونصره دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الآخرة
كما أن ترك الجهاد محبوب لهم وهو شرّ لهم لأنه يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم، وانتهاك حرمات دينهم مع سوء الجزاء في الدار الآخرة.
وهذا الذي أخبرهم تعالى به من حبهم لأشياء وهي شَر لهم وكراهيتهم لأشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم الله به قبل خلقه، والله يعلم وهم لا يعلمون
فيجب التسليم لله تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه خير لا شر فيه.
هداية الآيتين للجزائري
- سؤال من لا يعلم حتى يعلم وهذا طريق العلم، ولذا قالوا: (السؤال نصف العلم).
- أفضلية الإِنفاق على المذكورين في الآية إن كان المنفق غنيّاً وهم فقراء محتاجون
- الترغيب في فعل الخير والوعد من الله تعالى بالجزاء الأوفى عليه
- وجوب الجهاد على أمة الإِسلام ما بقيت فتنة في الأرض وشرك فيها.
- جهل الإِنسان بالعواقب يجعله يحب المكروه، ويكره المحبوب.
- أوامر الله كلها خير، ونواهيه كلها شرّ: فلذا يجب فعل أوامره واجتناب نواهيه.
آية وحديث تفسر آية
وتدبر آية
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} سورة التوبة: 16
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} سورة التوبة: 20
ثبت في الصحيح:
"من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية".
وقال عليه السلام يوم الفتح:
"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا".
تدبر
بقلب حاضر
تدبري معي هذه الآية
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} سورة التوبة: 24
رددي بــ
بل الله ورسوله أحب إلينا
رب نسألك الشهادة وموت الشهداء
وبكرمك نسألك منازل الصديقين ..
0 التعليقات :
إرسال تعليق