{ وَمَا جَعَلَهُ ٱللهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
شرح الكلمات للجزائري
{ إلا بشرى لكم }: البشرى: الخبر السار الذي يتهلل له الوجه بالبشر والطلاقة.
{ ولتطمئن به قلوبكم }: اطمئنان القلوب سكونها وذهاب الخوف والقلق عنها.
{ ليقطع طرفاً }: الطرف الطائفة، يريد ليهلك من جيش العدو طائفة.
{ أو يكبتهم }: أي يخزيهم ويذلهم.
{ فينقلبوا خائبين }: يرجعوا إلى ديارهم خائبين لم يحرزوا النصر الذي أمّلوه.
{الأمر }: الشأن والمراد هنا توبة الله على الكافرين أو تعذيبهم.
{ شيء }: شيء نكرة متوغلة في الإِبهام. وأصل الشيء: ما يعلم ويخبر به.
{ أو }: هنا بمعنى حتى أي فاصْبِرْ حتى يتوب عليهم أو يعذبهم.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيات ١٢٦ - ١٢٧ - ١٢٨
فقال تعالى: { وما جعله الله } أي الإمداد المذكور { إلا بشرى للمؤمنين }
تطمئن به قلوبهم وتسكن له نفوسهم فيزول القلق والاضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين،
ولذا قال تعالى { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم }
العزيز أي الغالب، الحكيم الذي يضع النصر في موضعه فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى
{ ليقطع طرفا من الذين كفروا } وقد فعل فأهلك من المشركين سبعين،
أو يكبتهم أي يخزيهم ويذلهم إذ أُسِرَ منهم سبعون
{ وانقلبوا خائبين } لم يحققوا النصر الذي أرادوه.
سبب نزول
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد دعا على أفراد من المشركين بالعذاب،
وقال يوم أحد لما شج رأسه وكسرت رباعيته:
" كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ "
فأنزل الله تعالى عليه قوله:
{ ليس لك من الأمر شيء } أي فاصبر حتى يتوب الله تعالى عليهم أو يعذبهم بظلمهم فإنهم ظالمون.
هداية الآيات للجزائري
- النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد الله تعالى فقد ينصر الضعيف ويخذل القوى، فلذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدد.
وتحقيق الولاية يكون بالإِيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله ثم التوكل على الله عز وجل.
- ثبوت قتال الملائكة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر قتالاً حقيقياً، لأنهم نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول، وعليهم شاراتهم وعلاماتهم، ولا يقولنّ قائل: الملك الواحد يقدر على أن يهزم ملايين البشر، فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم لا يزيدون عن الألف رجل، وذلك أن الله تعالى أنزلهم في صورة بشر فأصبحت صورتهم وقوتهم قوة البشر، ويدل على ذلك ويشهد له أنّ ملك الموت لما جاء موسى في صورة رجل يريد أن يقبض روحه ضربه موسى عليه السلام ففقأ عينه، وعاد إلى ربّه تعالى ولم يقبض روح موسى عليهما معاً السلام. من رواية البخارى.
- استقلال الرّب تعالى بالأمر كله فليس لأحد من خلقه تصرف في شيء إلا ما أذن فيه للعبد.
تفيسر السعدي
الآيات ١٢٦- ١٢٧ -١٢٨
{ وما جعله الله } أي: إمداده لكم بالملائكة
{ إلا بشرى } تستبشرون بها وتفرحون
{ ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله } فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب،
بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم،
وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده،
فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه،
وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه،
ومرجع الأمور إليه، ولهذا قال :
{ عند الله العزيز } فلا يمتنع عليه مخلوق، بل الخلق كلهم أذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره
{ الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة، قال تعالى:
{ ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }
يخبر تعالى أن نصره عباده المؤمنين لأحد أمرين:
- إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا،
أي: جانبا منهم وركنا من أركانهم،
إما بقتل، أو أسر، أو استيلاء على بلد، أو غنيمة مال،
فيقوى بذلك المؤمنون
ويذل الكافرون،
وذلك لأن مقاومتهم ومحاربتهم للإسلام تتألف من أشخاصهم وسلاحهم وأموالهم وأرضهم فبهذه الأمور تحصل منهم المقاومة والمقاتلة فقطع شيء من ذلك ذهاب لبعض قوتهم،
الأمر الثاني أن يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم، طمعا في المسلمين، ويمنوا أنفسهم ذلك، ويحرصوا عليه غاية الحرص، ويبذلوا قواهم وأموالهم في ذلك،
فينصر الله المؤمنين عليهم ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم،
بل يرجعون بخسارة وغم وحسرة، وإذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين الأمرين، غير خارج عنهما
إما نصر عليهم
أو خذل لهم.
لما جرى يوم "أحد" ما جرى، وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب، رفع الله بها درجته، فشج رأسه وكسرت رباعيته،
قال "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم"
وجعل يدعو على رؤساء من المشركين مثل أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام،
أنزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله
{ ليس لك من الأمر شيء } إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم،
وإنما الأمر لله تعالى هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء،
فلا تدع عليهم بل أمرهم راجع إلى ربهم،
إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام فعل،
وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك، فعل،
وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم،
وفي هذه الآية مما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد،
وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره،
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء فغيره من باب أولى
ففيها أعظم رد على من تعلق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم،
وأن هذا شرك في العبادة، نقص في العقل، يتركون من الأمر كله له ويدعون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة،
إن هذا لهو الضلال البعيد،
وتأمل كيف لما ذكر تعالى توبته عليهم أسند الفعل إليه، ولم يذكر منهم سببا موجبا لذلك،
ليدل ذلك على أن النعمة محض فضله على عبده، من غير سبق سبب من العبد ولا وسيلة،
ولما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم، ورتبه على العذاب بالفاء المفيدة للسببية،
فقال { أو يعذبهم فإنهم ظالمون }
ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته، حيث وضع العقوبة موضعها، ولم يظلم عبده
بل العبد هو الذي ظلم نفسه