} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {
تفسير السعدي
الآيتين ١١٤ - ١١٥
أعظم الظلم
لا أحد أظلم وأشد جرما, ممن منع مساجد الله, عن ذكر الله فيها, وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات.
{ وَسَعَى } أي: اجتهد وبذل وسعه
{ فِي خَرَابِهَا } الحسي والمعنوي،
فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها, وتقذيرها،
والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام, لكل من اتصف بهذه الصفة,
فيدخل في ذلك أصحاب الفيل,
وقريش, حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية, والنصارى حين أخربوا بيت المقدس,
وغيرهم من أنواع الظلمة, الساعين في خرابها, محادة لله, ومشاقة،
فجازاهم الله, بأن منعهم دخولها شرعا وقدرا, إلا خائفين ذليلين,
فلما أخافوا عباد الله, أخافهم الله، فالمشركون الذين صدوا رسوله, لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا, حتى أذن الله له في فتح مكة، ومنع المشركين من قربان بيته, فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }
وأصحاب الفيل, قد ذكر الله ما جرى عليهم، والنصارى, سلط الله عليهم المؤمنين, فأجلوهم عنه. وهكذا كل من اتصف بوصفهم, فلا بد أن يناله قسطه, وهذا من الآيات العظيمة, أخبر بها الباري قبل وقوعها, فوقعت كما أخبر.
واستدل العلماء بالآية الكريمة, على أنه لا يجوز تمكين الكفار من دخول المساجد. { لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } أي: فضيحة كما تقدم
{ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية,
كما قال تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }
بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها, فقال تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }
وللمساجد أحكام كثيرة, يرجع حاصلها إلى مضون هذه الآيات الكريمة.
القبلة
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } خصهما بالذكر, لأنهما محل الآيات العظيمة,
فهما مطالع الأنوار ومغاربها،
فإذا كان مالكا لها, كان مالكا لكل الجهات.
{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا } وجوهكم من الجهات, إذا كان توليكم إياها بأمره,
إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس,
أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها,
فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة, فيتحرى الصلاة إليها, ثم يتبين له الخطأ, أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك، فهذه الأمور, إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا.
وبكل حال, فما استقبل جهة من الجهات, خارجة عن ملك ربه.
{ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
فيه إثبات الوجه لله تعالى, على الوجه اللائق به تعالى,
وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه,
وهو - تعالى - واسع الفضل والصفات عظيمها, عليم بسرائركم ونياتكم.
فمن سعته وعلمه, وسع لكم الأمر, وقبل منكم المأمور, فله الحمد والشكر.
شرح الكلمات للجزائري
{ ومن أظلم }: الاستفهام للإنكار والنفي، والظلم وضع الشيء في غير محله مطلقاً.
{ سعى في خرابها }: عمل في هدمها وتخريبها حقيقة أو بمنع الصلاة فيها وصرف الناس عن التعبد فيها إذْ هذا من خرابها أيضاً.
{ الخزي }: الذل والهوان.
{ فثم وجه الله }: هناك الله إذ الله عز وجل محيط بخلقه فحيثما اتجه العبد شرقاً أو غرباً شمالاً أو جنوباً وجد الله تعالى،
إذ الكائنات كلها بين يديه وكيف لا يكون ذلك وقد أخبر عن نفسه أن الأرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه،
فليس هناك جهة تخلو من علم الله تعالى وإحاطته بها وقدرته عليها.
ويقرر هذا قوله: { إن الله واسع عليم } ، إنه واسع الذات والعلم والفضل والجود والكرم عليم بكل شيء لأنه محيط بكل شيء.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيتين ١١٤ - ١١٥
ينفي تعالى أن يكون هناك من هو أكثر ظلماً ممن منع مساجد الله تعالى أن يعبد الله تعالى فيها،
لأن العبادة هي علة الحياة فمن منعها كان كمن أفسد الحياة كلها وعطلها،
وفي نفس الوقت ينكر تعالى هذا الظلم على فاعليه وسواء كانوا قريشاً بصدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام،
أو فلطيوس ملك الروم الذى خرّب المسجد الأقصى أو غيرهم ممن فعلوا هذا الفعل
أو من سيفعلونه مستقبلاً،
ولذا ضمن تعالى قوله ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين،
أمر المسلمين بجهاد الكافرين وقتالهم حتى يسلموا أو تكسر شوكتهم فيذلوا ويهونوا.
يخبر تعالى راداً على اليهود الذين انتقدوا أمر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة،
مؤذناً بجواز صلاة من جهل القبلة أو خفيت عليه إلى أي جهة كانت فأخبر تعالى أن له المشرق والمغرب خَلقاً وملكاً وتصرفاً،
وأنّ الله تعالى محيط بالكائنات فحيثما توجه العبد فى صلاته فهو متوجه إلى الله تعالى،
إلا أنه تعالى أمر بالتوجه في الصلاة إلى الكعبة فمن عرف جهتها لا يجوز له أن يتجه إلا إليها.
هداية الآيات للجزائري
- عظم جريمة من يتعرض للمساجد بأي أذىً أو إفساد.
- وجوب حماية المساجد من دخول الكافرين إلا أن يدخلوها بإذن المسلمين وهم أذلاء صاغرون.
- صحة صلاة النافلة على المركوب في السفر إلى القبلة وإلى غيرها.
- وجوب استقبال القبلة إلا عند العجز فيسقط هذا الواجب.
- العلم بإحاطة الله تعالى بالعوالم كلها قدرة وعلما فلا يخفى عليه من أمر العوالم شيء ولا يعجزة آخره.
القبلـــــــــــــــة
لغةً: الجهة.
اصطلاحاً:
التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى صلاتهم.
وقد جعل الله التوجه إليهاشرطا
يجب على المصلي الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى:
{ فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } (البقرة 144)..
فقهيات :
الفرض
ماحكم من أخطاء في القبلة ؟
- إن كان الإنسان قد تحرى واجتهد ، فلا يلزمه إعادة الصلاة ، لأنه أدى ما عليه ، لقول الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/314) : " إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى ، ثم تبين أن تحريه كان خطأ ، فصلاته صحيحة " انتهى .
- وأما إذا لم يجتهد ولم يتحرّ ، فيلزمه إعادة الصلاة .
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (2/287) : " إذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد ، فإن أخطأ أعاد ، وإن أصاب لم يُعد على الصحيح " اهـ .
الفرض للمريض
- تجوز صلاة المكره والمريض والخائف، إذا عجزوا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال:
"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وفى قوله تعالى: {فإن خفتم فرجالاً أو ركبانا}(البقرة 239).
قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أو غير مستقبليها. (رواه البخارى).
النافلة
صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ( يصلى على راحلته حيث توجهت به)". "رواه البخارى ومسلم" وزاد البخارى: يومئ .
0 التعليقات :
إرسال تعليق