{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } *
{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } *
{ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }
تفسير السعدي
الآيتين ١٢٧ - ١٢٨- ١٢٩
واذكر إبراهيم وإسماعيل, في حالة رفعهما القواعد من البيت الأساس, واستمرارهما على هذا العمل العظيم،
وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء,
حتى إنهما مع هذا العمل دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما, حتى يحصل فيه النفع العميم.
ودعوا لأنفسهما, وذريتهما بالإسلام
الذي حقيقته :
خضوع القلب, وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح.
{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أي: علمناها على وجه الإراءة والمشاهدة, ليكون أبلغ.
يحتمل أن يكون المراد بالمناسك:
أعمال الحج كلها, كما يدل عليه السياق والمقام،
ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك وهو الدين كله, والعبادات كلها, كما يدل عليه عموم اللفظ, لأن النسك:
التعبد, ولكن غلب على متعبدات الحج, تغليبا عرفيا،
فيكون حاصل دعائهما, يرجع إلى التوفيق للعلم النافع, والعمل الصالح،
ولما كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير, ويحتاج إلى التوبة قالا:
{ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ } أي: في ذريتنا
{ رَسُولًا مِنْهُمْ } ليكون أرفع لدرجتهما, ولينقادوا له, وليعرفوه حقيقة المعرفة.
{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ } لفظا, وحفظا, وتحفيظا
{ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }معنى.
{ وَيُزَكِّيهِمْ } بالتربية على الأعمال الصالحة والتبري من الأعمال الردية, التي لا تزكي النفوس معها.
{ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } أي:
القاهر لكل شيء, الذي لا يمتنع على قوته شيء. {
الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها، فبعزتك وحكمتك, ابعث فيهم هذا الرسول.
فاستجاب الله لهما, فبعث الله هذا الرسول الكريم, الذي رحم الله به ذريتهما خاصة, وسائر الخلق عامة،
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:
" أنا دعوة أبي إبراهيم "
شرح الكلمات للجزائري
{ وإذ }: ظرف لما مضى من الزمان ويعلق بمحذوف تقديره أذكر وقت كذا وكذا.
{ القواعد }: جمع قاعدة ما يبنى عَلَيْه الجدار من أساس ونحوه.
{ البيت }: الكعبة حماها الله وطهرها.
{ إنك أنت السميع العليم }: هذه الجملة وسيلة توسل بها إبراهيم وولده لقبول دعائهما.
{ مسلمين }: منقادين لك خاضعين لأمرك ونهيك راضين بحكمك عابدين لك.
{ أرنا مناسكنا }: علمنا كيف نحج بيتك، تنسكاً وتعبداً لك.
{ تب علينا }: وفقنا للتوبة إذا زََللَنْا واقْبَلْها منا.
{ وابعث فيهم رسولاً }: هذا الدعاء استجابةُ الله تعالى، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو ما طلباه.
{ الكتاب }: القرآن.
{ الحكمة }: السنة وأسرار الشرع والإِصابة في الأمور كلها.
{ يزكيهم }: يطهر أرواحهم ويكمل عقولهم، ويهذب أخلاقهم بما يعلمهم من الكتاب والحكمة، وما بينه لهم من ضروب الطاعات.
{ العزيز الحكيم }: العزيز الغالب الذي لا يغلب. الحكيم في صنعه وتدبيره بوضع كل شيء في موضعه.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيات ١٢٧ - ١٢٨ - ١٢٩
ما زال السياق الكريم في ذكر مآثر إبراهيم عليه السلام المنبئة عن مكانته السامية في كمال الإِيمان والطاعة،
وعظيم الرغبة في الخير والرحمة
فقد تضمنت الآيات الثلاث :
ذكر إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان البيت برفع قواعده وهما يدعوان الله تعالى بأن يتقبل منهما عملهما متوسلين إليه بأسمائه وصفاته
{ إنك أنت السميع العليم }.
كما يسألانه عز وجل أن يجعلهما مسلمين له وأن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له مؤمنة به موحدة له ومنقادة لأمره ونهيه مطيعة،
وأن يعلمهما مناسك حج بيته العتيق ليحجاه على علم ويتوب عليهما،
كما سألاه عز وجل أن يبعث في ذريتهما رسولاً منهم يتلو عليهم آيات الله ويعلم الكتاب والحكمة ويزكيهم بالإِيمان وصالح الأعمال، وجميل الخلاب وطيب الخصال.
وقد استجاب الله تعالى دعاءهما فبعث في ذريتهما من أولاد إسماعيل إمام المسلمين وقائد الغر المجحلين نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله:
" أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى... عليهم جميعاً السلام ".
هدية الآيات من الجزائري
- فضل الإسهام بالنفس في بناء المساجد.
- المؤمن البصير في دينه يفعل الخير وهو خائف أن لا يقبل منه فيسأل الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته أن يتقبله منه.
- مشروعية سؤال الله للنفس والذرية الثبات على الإِسلام حتى الموت عليه.
- وجوب تعلم مناسك الحج والعمرة على من أراد أن يحج أو يعتمر.
- وجوب طلب تزكية النفس بالإِيمان والعمل الصالح، وتهذيب الأخلاق بالعلم والحكمة.
- مشروعية التوسل إلى الله تعالى في قبول الدعاء وذلك بأسمائه تعالى وصفاته لا بحق فلان وجاه فلان كما هو شأن المبتدعة والضلال
في هذه الآيات الثلاث توسل إبراهيم وإسماعيل بالجمل التالية:
- { إنك أنت السميع العليم }.
- { إنك أنت التواب الرحيم }.
- { إنك أنت العزيز الحكيم }.
التزكية
والتزكية في اللغة: مصدر: زكّى يزكي زكاة وهو الطهارة قال تعالى : "قد أفلح من زكاها".
وأما في الاصطلاح: فالتزكية (كما يقول الغزالي) هي تكميل النفس الإنسانية بقمع أهوائها وإطلاق خصائصها العليا.
قال ابن كثير في معنى قوله تعالى
"قد أفلح من زكاها": من زكى نفسه بطاعة الله ، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة.
فالتزكية تطهير للنفس من أدرانها وأوساخها الطبعية والخلقية، وتقليل قبائحها ومساويها، وزيادة ما فيها من محاسن الطبائع، ومكارم الأخلاق.
دعاء إبراهيم كان بتقديم العلم على التزكية،
وامتنّ الله على هذه الأمــــة بتقديم التزكيــــة على العلم.
فالعلم ما لم يُصب نفوساً سليمَةً فلن يُؤتي أكُله.
فدعاء إبراهيم إلى رب العالمين, فيه معنى طلب التعبد والتعلم والرجاء والدعاء من العبد إلى خالقه, فلا يمكن الحصول على التزكية من بعد الدعاء والوصول إلى تزكية النفس
إلا عن طريق العلم, فهو كالوسيلة له, فبالعلم تحصل التزكية .
فإن العطف بالواو هنا لا يفيد الترتيب بل الأهمية
جاء تقديم التزكية في آيتي "آل عمران" و"الجمعة" من باب ذكر (المقاصد قبل الوسائل)
فتتقدم التزكية على العلم
ففي الآيتين معنى الأمتنان من الله عز وجل على عباده أن منّ عليهم برسول من عند أنفسهم بشري يتكلم بلسانهم ولغتهم, وقد بعث للعالمين جميعاً, وهو حقيقة جواب دعاء إبراهيم , وفيه تحقق التزكية لهم قبل تعلمهم الشريعة والدين, فهو حصول المراد قبل اللجوء إلى رب العباد, وهذه منّة عظيمة من الله على خلقه .
التزكية
والتزكية في اللغة: مصدر: زكّى يزكي زكاة وهو الطهارة قال تعالى : "قد أفلح من زكاها".
وأما في الاصطلاح: فالتزكية (كما يقول الغزالي) هي تكميل النفس الإنسانية بقمع أهوائها وإطلاق خصائصها العليا.
قال ابن كثير في معنى قوله تعالى
"قد أفلح من زكاها": من زكى نفسه بطاعة الله ، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة.
فالتزكية تطهير للنفس من أدرانها وأوساخها الطبعية والخلقية، وتقليل قبائحها ومساويها، وزيادة ما فيها من محاسن الطبائع، ومكارم الأخلاق.
دعاء إبراهيم كان بتقديم العلم على التزكية،
وامتنّ الله على هذه الأمــــة بتقديم التزكيــــة على العلم.
فالعلم ما لم يُصب نفوساً سليمَةً فلن يُؤتي أكُله.
فدعاء إبراهيم إلى رب العالمين, فيه معنى طلب التعبد والتعلم والرجاء والدعاء من العبد إلى خالقه, فلا يمكن الحصول على التزكية من بعد الدعاء والوصول إلى تزكية النفس
إلا عن طريق العلم, فهو كالوسيلة له, فبالعلم تحصل التزكية .
فإن العطف بالواو هنا لا يفيد الترتيب بل الأهمية
جاء تقديم التزكية في آيتي "آل عمران" و"الجمعة" من باب ذكر (المقاصد قبل الوسائل)
فتتقدم التزكية على العلم
ففي الآيتين معنى الأمتنان من الله عز وجل على عباده أن منّ عليهم برسول من عند أنفسهم بشري يتكلم بلسانهم ولغتهم, وقد بعث للعالمين جميعاً, وهو حقيقة جواب دعاء إبراهيم , وفيه تحقق التزكية لهم قبل تعلمهم الشريعة والدين, فهو حصول المراد قبل اللجوء إلى رب العباد, وهذه منّة عظيمة من الله على خلقه .
التوسل
للتوسل المشروع ثلاث أنواع :
الأول: بأسماء الله .كما في الآيات السابقة
الثاني : بصفات الله .كقولنا يا حي ياقيوم برحمتك نستغيث
الثالث : بالعمل الصالح .كأصحاب الصخرة
وهناك توسل ممنوع مثل :
كقول :بحق لا اله الا الله.
بحق جاه النبي.
بحق هذا الاذان
اسالك ببركة القرآن.
بحق يوم الجمعة.
فلا يجوز التوسل بغير الله.
كل امر نقول: الله ثم عليك/ الا التوكل .
لا نقول توكلت على الله ثم عليك.
فقط توكلت على الله ووكلتك في....
العليــــم
سبحـــان العالم بكل شيء، الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم؛ فلا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب حيث لا يطلِّعُ عليها المَلَك، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلِّعُ عليه القلب ..
ورود اسم الله تعالى العليـــم في القرآن الكريـــم
ورد اسمه العليم في القرآن 157 مرة
وفي هذا دليل على أهميته ..
وقد قرن الله تعالى بينه وبين بعض الأسماء، منهااسمه السميع: كما في آيات اليوم
لأن العلم يتم تحصيله عن طريق الحواس
وأقوى الحواس هي حاسة السمع ..
لذا ينبغي أن لا تتوقف عن الاستماع لدروس العلم،
فالقراءة وحدها لا تكفي؛
لأن أقوى طريق للمعرفة هو السمــاع ..
فالسمع يؤدي إلى العلم ..
معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى
العليم من العلم وهو نقيض الجهل،
وعَلِمتُ الشيء: أي عرفته وخبرته ..
فالعلم لا يقتصر على معرفة الظاهر، وإنما ينضم إليــه معرفة حقيقة الشيء ..
وهذا متعذرٌ في حق العبد تجاه الله تعالى؛
لذا لا يصح أن تقول: عَلِمتُ الله
وإنما تقول: عرفت الله ..
. .وشتـــان بين علمٍ مقيد محدود
وعلمٍ مُطلق بلا حدود .. فسبحانه وتعالى في كمال علمه وطلاقة وصفه، فعلمه فوق علم كل ذي علم ..
كما قال الله تعالى {.. نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76]
فعلم الله تعالى: علمٌ بما كــــان، وما هو كــائن، وما سيــكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون ..
أحـــاط علمه سبحانه وتعالى بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها، دقيقها وجليلها ..
فالله سبحـــانه وتعالى عـــالمٌ بكل شيءٍ في كل وقتٍ وفي كل حيـــن،،
كيف يعبد المؤمن الله تعالى باسمه العليــم
إيمانه بالقضـــاء والقدر ..
فيصدق تصديقًا جازمًا بأن قدر الله سبحانه وتعالى لا يأتي إلا بالخير؛ لأنه الله عزَّ وجلَّ عـــالم بكل شيء وهو الحكيـــم سبحــــانه.
العلم عبـــادة القلب ..
فلا ينبغي أن يتوقف الإنسان أبدًا عن طلب العلم؛ لإنه إذا توقف سيفسد قلبه ..
ولابد في طلب العلم من منهجية .. بحيث لا يُقدِم شيء على الكتــــاب والسُّنَّة ..
كما لابد له من مرحلية .. بحيث يبدأ بتعلُّم فرض العين عليه من العلوم الشرعية، وبعدها يتدرج في تعلُّم العلم الذي ينفعه.
العلم يورث الخشيــــة ..
كما في قوله تعالى {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] ..
العلم يورث الحيـــــاء من الله عزَّ وجلَّ ..
فعندما يعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم سره وعلانيته، سيستحيي من ربِّه أن يطلِّع على قلبه فيجد فيه ما يكرهه وتعلقات بدنيـــا فانيــــة.
الطريـــق للعلم النـــافع هو التقوى ..
فالله سبحـــانه وتعالى لن يستودع قلبك معرفته ومحبته إلا إذا شـــاء .. {.. وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ..} [البقرة: 255]
فإن كنت تريد أن يمُنَّ الله عزَّ وجلَّ عليك بالعلم النـــافع، عليك بالتقوى والطاعة له سبحانه وتعالى .. يقول تعالى
{.. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]
مهما بلغت من العلم، فهو قليــــل ..
كما جاء في قصة موسى عليه السلام والخضر لما رَكِبا السفينة ".. فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْر" [صحيح البخاري]
فإيـــاك أن تتكبَّر بعلمك ..
والحل: أن تنظر إلى من هو أعلى منك علمًا، فتعلم قدرك الحقيقي،،
دعــاء المسألة باسمه تعالى العليم ..
على العبد أن يسأل ربَّه تبــارك وتعالى باسمه العليـــم؛ حتى يفتح عليه بالعلم ويَمُنَّ عليه بمعرفة ما خفيَ عنه من الخير؛ لأن ليس كل ما خَفِيَ عنك فيه الخير .. فلا نسأل إلا عما يفيدنـــا في أمر ديننا وينبغي أن يترتب على هذا العلم العمل. ..
المصادر
سلسلة (شرح الأسماء والصفات)
لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
والمنهج الأسمى
محمود النجدي.
نسأل الله تعالى أن يُعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علمًا ينفعنا.
السميع
الذي يسمع السر والنجوى،
سواء عنده الجهر والخفوت،
والنطق والسكوت".
والسماع قد يكون بمعنى القبول والإجابة ... فمن معاني السميع: المُستجيــب لعبـــاده إذا توجهوا إليـــه بالدعــاء وتضرعوا ..
كقول النبي " اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن دعاء لا يُسمع .."
[صحيح الجامع (1297)] .. أي: من دعاء لا يُستجـــاب.
ورد اسم الله السميع خمساً وأربعين مرة
يقول ابن القيم في قصيدته النونية:
وهو السَّميعُ يَرى ويَسْمعُ كلَّ ما
في الكون من سِرٍّ ومن إعلانِ
ولكلِّ صوتٍ منه سمعٌ حاضرٌ
فالسِّرُّ والإِعلان مستويــــــانِ
والسَّمعُ منه واسعُ الأصواتِ لا
يخفى عليه بعيدُهـــا والدانـــــي
كيف تعبد الله تعالى باسمه
السميـــع
الله سبحـــانه وتعالى يسمع دبيـــب قلبك .. فالحذر الحذر أن يجد قلبك مُعْرِضًا عنه سبحـــانه، مُقبلاً على ما لا يرضى!
دوام الدعـــاء لله تبـــارك وتعالى ..
فهو سبحانه وتعالى سميع الدعــــاء،
فلُذ بربِّك والجأ إليـــــه بكثرة الدعــــاء .. وخذ بأسبـــاب الإجابة حتى يكون دعـــاءك أحرى للقبول إن شاء الله تعالى ..
ادعُ ربَّك وأنت موقن بالإجـــابة، بقلب يقظ غير غـــافل، متحريًا ساعــــات إجـــابة الدعـــاء،،
أكثر من الشكوى لربِّك السميع سبحـــانه ..
كما كان نبي الله يعقوب يقول {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ..} [يوسف: 86] ..
وكما كان حال إبراهيم عليه السلام
{..إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة:114] ..
أي: كثير التأوه، كهيئة المريض المتأوه من مرضه .. فكان كثير الشكاية والدعـــاء لربِّه، حَلِيمٌ بين الناس أي: ذو رحمة بالخلق، وصفح عما يصدر منهم إليه، من الزلات، لا يستفزه جهل الجاهلين، ولا يقابل الجاني عليه بجرمه ..
فاشكُ حــالك إلى ربِّك السميـــع البصيـــر، الذي يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك ونجـــواك،،
الله تعالى يسمع دعــائك في كل حـــال ..
قال تعالى {..وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] ..
سواءً جهرت بدعائك أو أسررت به، يسمعك الله تعالى .. فادعُ بصوت أدعى للخشوع والإخلاص، ولا تتكلَّف.
دوام المراقبـــــة لله سبحانه وتعالى في السر والعلن ...
فالمؤمن الموحِد يراقب ربَّه في سره وعلانيته؛ لعلمه أن ربَّه يسمعه من فوق عرشه وأنه عليمٌ بسره ونجواه ..
والآية التي ترتعد منها الفرائص
قوله تعالى:
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]
فإلى أين تذهب يــــا مسكيـــن؟! .. أتحسب أنك ستنفذ من سمع الله عزَّ وجلَّ وبصره؟!
فالصــادق في توحيده لربِّه السميــــع، لن يسمع إلا ما يحب ربَّه ويرضـــاه،،
احفظ سمعك، يستجب الله دعائك ..
فكما إن الله سبحانه وتعالى سميـــع مُجيــب للدعـــاء، ينبغي أن لا يسمع العبد سوى ما يحب ربَّه ويرضى ..
أما إذا صرف العبد حاسة السمع في ما لا يُرضي الله عزَّ وجلَّ؛ كسماع الأغاني والمعازف وسماع المُنكرات
أو التجسس على النــاس .. ستكون عقوبته من جنس عمله، فلا يستجيب الله تعالى لدعائه.
وحاسة السمع من أهم الحواس وأقواها في الإداراك .. لذا قدمها الله تعالى في كلامه عن حواس البشر، قال تعالى { .. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] ..
فينبغي أن يستغلها العبد في سماع دروس العلم؛ حتى تكون المعلومات أسهل في الاستحضار بعد ذلك.
ويحفظ العبد سمعه بالتزامه منهج الله تعالى،،
من أراد الشهرة وذيـــاع الصيــت، سمَّع الله به ..
أي فضحه على رؤوس الخلائــق يوم القيــامة
عن جندب قال: قال النبي "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به"
[متفق عليه]
دعاء من السنة
وعن أبان بن عثمان قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
نسأل الله تبـــارك وتعالى ألا يسمع منا إلا ما يحب ويرضى، وألا يطلِّع في قلوبنـــا إلا على ما يُحب
المصادر
سلسلة (شرح الأسماء والصفات)
لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
والمنهج الأسمى
محمود النجدي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق