{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {
تفسير السعدي
النسخ:
هو النقل, فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع, إلى حكم آخر, أو إلى إسقاطه،
وكان اليهود ينكرون النسخ, ويزعمون أنه لا يجوز, وهو مذكور عندهم في التوراة, فإنكارهم له كفر وهوى محض.
فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ،
وأنه ما ينسخ من آية { أَوْ نُنْسِهَا } أي: ننسها العباد, فنزيلها من قلوبهم، { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } وأنفع لكم { أَوْ مِثْلِهَا } فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛
لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة, التي سهل عليها دينها غاية التسهيل.
وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته فقال: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فإذا كان مالكا لكم, متصرفا فيكم, تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه, فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير,
كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام. فالعبد مدبر مسخر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية, فما له والاعتراض؟
وهو أيضا, ولي عباده, ونصيرهم، فيتولاهم في تحصيل منافعهم, وينصرهم في دفع مضارهم،
فمن ولايته لهم
أن يشرع لهم من الأحكام, ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم. ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ, عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده, وإيصالهم إلى مصالحهم, من حيث لا يشعرون بلطفه.
شرح الكلمات للجزائري
{ ننسخ }: نبدّل أو نزيل.
{ من آية }: من آيات القرآن: جملة كلمات تحمل معنى صحيحاً كالتحريم أو التحليل، أو الإِباحة.
{ ننسها }: نمحها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
{ ألم تعلم }: الاستفهام للتقرير.
{ وليّ }: حافظ يحفظكم بتولي أموركم.
{ نصير }: ناصر يدفع عنكم المكروه
أيسر التفاسير للجزائري
الآيات ١٠٦ - ١٠٧
يخبر تعالى راداً على الطاعِنين فى تشريعه الحكيم الذين قالوا: إن محمداً يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غداً
أنه تعالى ما ينسخ من آية تحمل حكماً شاقاً على المسلمين إلى حكم أخف
كنسخ الثبوت لعشرة في قتال الكافرين إلى الثبوت إلى إثنين.
أو حكماً خفيفاً إلى شاقا زيادة في الأجر كنسخ يوم عاشوراء بصيام رمضان،
أو حكماً خفيفاً إلى حكم خفيف مثله كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة،
أو حكماً إلى غير حكم آخر كنسخ صدقة من أراد أن يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحكم رفع ولم يشرع حكم آخر بدالً عنه،
أو نسخ الآية بإزالتها من التلاوة ويبقى حكمها كآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله فقد نسخ اللفظ من التلاوة وبقي الحكم.
أو بنسخ الآية وحكمها.
وهذا معنى قوله أو ننسها وهي قراءة نافع،
فقد ثبت أن قرآناً نزل وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه ثم نسخه الله تعالى لفظاً ومعنى فمحاه من القلوب بالمرة فلم يقدر على قراءته أحد.
وهذا مظهر من مظاهر القدرة الإِلهية الدال عليه قوله: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }
وهو أيضاً مظهر من مظاهر التصرف الحكيم الدال عليه قوله: { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض } فهو تعالى يتصرف فينسخ ويبقي ويأتي بخير مما نسخ أو بمثله بحسب حاجة الأمة ومتطلبات حياتها الروحية والمادية. فسبحانه من إله قدير حكيم:
ينسي ما يشاء وينسخ ما يريد
هداية الآيات للجزائري
- ثبوت النسخ في القرآن الكريم، كما هو ثابت في السنة، وهما أصل التشريع ولا نسخ في قياس ولا إجماع.
- رأفة الله تعالى بالمؤمنين في نسخ الأحكام وتبديلها بما هو نافع لهم في دنياهم وآخرتهم.
- وجوب التسليم لله والرضى بأحكامه، وعدم الاعتراض عليه تعالى.
العِـــلــــــــــم
تدبري بتتبع لفظة علم
خلال آيات الأسبوع
ورد لفظ العــــلم في الآيات بطرق مختلفة
يعلمون يعلمان يتعلمون علموا
وختمت آية بقوله (الم تعلم) وبدأت التي بعدها
(الم تعلم )
نتتبع معاً
قوله تعالى : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ( 101 ) )
((واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون))
((ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ))
(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:106] .
((ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ))107
(وهذا لفضل العــــلم وأنه يسبق القول والعمل )
يتحقق لنا من الآيات :
قبح جريمة من تنكر للحق بعد معرفته.
كفر الساحر وحرمة تعلم السحر وحرمة استعماله .
أنه لا نفع ولا ضر إلا بإذن الله .
ثبوت النسخ في القرآن الكريم كما هو ثابت في السنة .
رأفة الله بعباده في نسخ الأحكام وتبديلها
بما هو نافع لهم في دينهم وآخراهم .
ذم التنطع في الدين وطرح الأسئلة المحرجة والتحذير من ذلك.
تزكية النفوس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات.
أمر الله عباده المؤمنين بالصفح والعفو...
اللهم اجعلنا ممن يتعلمون فيَعْـلَمون فيعملون فيُعلِمون فيقبلون فيفوزون
0 التعليقات :
إرسال تعليق