{ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }
تفسير السعدي
الآيتين ١٠٤- ١٠٥
سبب نزول
كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: { رَاعِنَا } أي: راع أحوالنا, فيقصدون بها معنى صحيحا،
وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا,
فانتهزوا الفرصة, فصاروا يخاطبون الرسول بذلك, ويقصدون المعنى الفاسد،
فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة, سدا لهذا الباب،
ففيه النهي عن الجائز إذا كان وسيلة إلى محرم،
وفيه الأدب, واستعمال الألفاظ, التي لا تحتمل إلا الحسن, وعدم الفحش, وترك الألفاظ القبيحة, أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق،
فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن فقال:
{ وَقُولُوا انْظُرْنَا } فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور،
{ وَاسْمَعُوا } لم يذكر المسموع, ليعم ما أمر باستماعه،
فيدخل فيه
سماع القرآن, وسماع السنة التي هي الحكمة, لفظا ومعنى واستجابة، ففيه الأدب والطاعة.
ثم توعد الكافرين بالعذاب المؤلم الموجع, وأخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين,
أنهم ما يودون { أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } أي: لا قليلا ولا كثيرا { مِنْ رَبِّكُمْ } حسدا منهم, وبغضا لكم أن يختصكم بفضله فإنه { ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
ومن فضله عليكم, إنزال الكتاب على رسولكم, ليزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة, ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون,
فله الحمد والمنة
شرح الكلمات للجزائري
{ راعنا }: أمهلنا وانظرنا حتى نعى ما نقول.
{ انظرنا }: أملهنا حتى نفهم ما تقول ونحفظ.
{ الكافرين }: الجاحدين المكذبين لله ورسوله المستهزئين بهما أو بأحدهما.
{ أليم }: كثير الألم شديد الإِيجاع.
{ من أهل الكتاب ولا المشركين }: اليهود والنصارى والوثنيين من العرب وغيرهم.
{ من خير من ربكم }: من الوحي الإِلهي المشتمل على التشريع المتضمن لكل أنواع الهداية وطرق الإسعاد والإِكمال في الدارين.
{ الفضل }: ما كان من الخير غير محتاج إليه صاحبه، والله عز وجل هو صاحب الفضل إذ كل ما يمن به ويعطيه عباده من الخير هو في غنى عنه ولا حاجة به إليه أبداً.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيتين ١٠٤ - ١٠٥
أمر الله تعالى المؤمنين أن يُراعوا الأدبْ في مخاطبة نبيّهم صلى الله عليه وسلم تجنباً للكملات المشبوهة ككلمة راعنا،
إذ قد تكون من الرعونة، ولم تدل عليه صيغة المفاعلة إذ كأنهم يقولون راعنا نُرَاعِكَ، وهذا لا يليق أن يخاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأرشدهم تعالى إلى كلمة سليمة من كل شبهة تنافي الأدب وهي انظرنا
وأمرهم أن يسمعوا لنبيّهم إذا خاطبهم حتى لا يضطروا إلى مراجعته؛
إذ الاسْتِهْزَاءُ بالرسول والخسرة منه ومخاطبته بما يفهم الاستخفاف بحقه وعلوّ شأنه وعظيم منزلته كفر بواح.
وأخبر تعالى عباده المؤمنين بأن الكفرين من أهل الكتاب ومن غيرهم من المشركين الوثنيين لا يحبون أن يُنزل عليكم من خير من ربكم :
سواء كان قرآنُاً يحمل أسمى الآداب وأعظم الشرائع وأهدى سبل السعادة والكمال،
أو كان غير ذلك من سائر أنواع الخيرات،
وذلك حسداً منهم للمؤمنين
كما أخبرهم أنه تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده فحسد الكافرين لكم لا يمنع فضل الله عليكم ورحمته بكم متى أرادكم بذلك.
هداية الآيات للجزائري
- وجوب التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخاطبته بعدم استعمال أي لفظة قد تفهم غير الإِجلال والإِكبار له صلى الله عليه وسلم.
- وجوب السماع لرسول الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وعند مخاطبته لمن أكرمهم الله تعالى بمعايشته والوجود معه.
- التحذير من الكافرين كتابيين أو مشركين لأنهم أعداء حسدة للمؤمنين فلا يحل الركون إليهم والإِطمئنان إلى أقوالهم وأفعالهم، إذ الريبة لا تفاقهم.
تدبر الآيتين ١٠٤ - ١٠٥
النداء القرآني للمؤمنين
الأول
يروى أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:
أعهد إلي أي ( أوصني ) فقال :
إذا سمعت الله يقول : (ياأيها الذين آمنوا )
فأرعها سمعك فإنه خير يؤمر به أو شر ينهى عنه ..
يأيها المؤمنن المخلصون حققوا الصواب في أعمالكم
وهنا نهي
لا تقولوا راعنا
كان اليهود يقولون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم راعنا يقصدون بها شتم النبي
قصدوا بها الرعونة
من الحماقة
واصحاب النبي رضي الله عنهم كانوا يقصدون راع احوالنا
ففضح الله كيدهم
ولرفع اللبس
وقطع الطريق على اليهود
حتى لا يكون لهم مدخل
قولوا انظرنا
لأنها اسلم وأبعد عن سوء الإستعمال
والبعد عن الشبهات
حقيقة
"يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا" البعد عن مواطن الشبهات من صفات المؤمنين
وهنا فوائد :
نهي المؤمنين عن التشبه بأعمال الكفار وأقوالهم
(من تشبه بقوم فهو منهم )
(دع ما يريبك إلى مالا يريبك)
علينا تجنب الشبهات
(مايود الذين كفروا من اهل الكتاب)
هنا جمعت الآية بين المشركين وطائفة من اهل الكتاب
تحت وصف الكفر
وهنا تتكرر الفائدة معنا
في دقة القرآن في الحكم على الناس
أيضاً تحذير
للمؤمنين
من الذين يفرحون بالمصيبة تصيب المؤمنين
ويكرهون أن ينزل عليهم خير
(والله يختص برحمته من يشاء)
فلابد من الإخلاص وعمل وقول الصواب
والله ذو الفضل العظيم
حيث اختص من آمن بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بهذا الفضل واختارهم لهذا الخير
وحُرم منه غيرهم
ففضله عظيم وخيره كثير
ونوله غزير لا يرد فله الحمد
رحمته فضله
الوحي رحمة وفضل
رحمة لمن اتبعه لا يعذب
وفضل يثمر الثواب لمن اهتدى
من بداية هذه الآية انتقلنا مع أماني اهل الكتاب والمشركين وتعصبهم
والذي سنتتبعه مايقارب الأسبوع بإذن الله
نسأل الله من فضله ورحمته ونعمته
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
0 التعليقات :
إرسال تعليق