تفسير السعدي
الآيتين ١٥٣ - ١٥٤
أمر الله تعالى المؤمنين,
بالاستعانة على أمورهم الدينية والدنيوية
{ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ }
فالصبر هو:
حبس النفس وكفها عما تكره,
فهو ثلاثة أقسام:
صبرها على طاعة الله حتى تؤديها,
وعن معصية الله حتى تتركها,
وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها،
فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر, فلا سبيل لغير الصابر, أن يدرك مطلوبه،
خصوصا الطاعات الشاقة المستمرة, فإنها مفتقرة أشد الافتقار, إلى تحمل الصبر, وتجرع المرارة الشاقة،
فإذا لازم صاحبها الصبر:
فاز بالنجاح,
وإن رده المكروه والمشقة عن الصبر والملازمة عليها, لم يدرك شيئا, وحصل على الحرمان
وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محل قدرة العبد،
فهذه لا يمكن تركها إلا بصبر عظيم, وكف لدواعي قلبه ونوازعها لله تعالى, واستعانة بالله على العصمة منها, فإنها من الفتن الكبار.
وكذلك البلاء الشاق, خصوصا إن استمر, فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسدية, ويوجد مقتضاها, وهو التسخط,
إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله, والتوكل عليه, واللجأ إليه, والافتقار على الدوام.
فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد,
بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله،
فلهذا أمر الله تعالى به, وأخبر أنه
{ مَعَ الصَّابِرِينَ }
أي: مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة بمعونته وتوفيقه, وتسديده، فهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل صعوبة،
وهذه معية خاصة, تقتضي :
محبته ومعونته, ونصره وقربه
وهذه [منقبة عظيمة] للصابرين،
فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله, لكفى بها فضلا وشرفا،
وأما المعية العامة:
فهي معية العلم والقدرة, كما في قوله تعالى:
{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ }
وهذه عامة للخلق.
وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة
لأن الصلاة :
هي عماد الدين,
ونور المؤمنين,
وهي الصلة بين العبد وبين ربه،
فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة,
مجتمعا فيها ما يلزم فيها, وما يسن,
وحصل فيها حضـــور القلب, الذي هو لبها
فصار العبد إذا دخل فيها,
استشعر دخوله على ربه,
ووقوفه بين يديه, موقف العبد الخادم المتأدب,
مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله, مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه
لا جرم أن هذه الصلاة, من أكبر المعونة على جميع الأمور
فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر،
ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة, يوجب للعبد في قلبه, وصفا, وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر ربه, واجتناب نواهيه،
هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء.
لما ذكر تبارك وتعالى, الأمر بالاستعانة بالصبر على جميع الأمور
ذكر نموذجا مما يستعان بالصبر عليه, وهو:
الجهاد في سبيله
وهو أفضل الطاعات البدنية,
وأشقها على النفوس,
لمشقته في نفسه,
ولكونه مؤديا للقتل, وعدم الحياة,
التي إنما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها، فكل ما يتصرفون به, فإنه سعى لها, ودفع لما يضادها.
ومن المعلوم أن المحبوب لا يتركه العاقل إلا لمحبوب أعلى منه وأعظم،
فأخبر تعالى: أن من قتل في سبيله, بأن قاتل في سبيل الله, لتكون كلمة الله هي العليا, ودينه الظاهر, لا لغير ذلك من الأغراض,
فإنه لم تفته الحياة المحبوبة, بل حصل له حياة أعظم وأكمل, مما تظنون وتحسبون.
فالشهداء: { أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }
فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى, وتمتعهم برزقه البدني في المأكولات والمشروبات اللذيذة, والرزق الروحي,
وهو الفرح، والاستبشار
وزوال كل خوف وحزن
وهذه حياة برزخية أكمل من الحياة الدنيا،
بل قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة, وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش.
وفي هذه الآية, أعظم حث على الجهاد في سبيل الله, وملازمة الصبر عليه،
فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب: لم يتخلف عنه أحد،
ولكن عدم العلم اليقيني التام, هو الذي فتر العزائم, وزاد نوم النائم, وأفات الأجور العظيمة والغنائم، لم لا يكون كذلك والله تعالى قد: { اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ }
فوالله لو كان للإنسان ألف نفس, تذهب نفسا فنفسا في سبيل الله, لم يكن عظيما في جانب هذا الأجر العظيم،
ولهذا لا يتمنى الشهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزائه :
إلا أن يردوا إلى الدنيا, حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة.
وفي الآية, دليل على نعيم البرزخ وعذابه, كما تكاثرت بذلك النصوص.
شرح الكلمات للجزائري
{ الاستعانة }: طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل.
{ الصبر }: حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره.
{ الشعور }: الاحساس بالشيء المفضي إلى العلم به.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيتين ١٥٣ - ١٥٤
نادى الرب عباده المؤمنين وهم أهل ملة الإِسلام المسلمون / ليرشدهم إلى ما يكون عوناً لهم على :
الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم،
وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه وكفره فقال:
{ يا أيها الذين آمنوا استعينوا }
أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر والشكر،
وترك النسيان والكفر بالصبر
الذي هو توطين النفس وحملها على أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة،
وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة،
فإذا صبروا نالهم عون الله تعالى وتقويته
ثم تضمنت الآية التالية:
نهيه تعالى لهم أن يقولوا معتقدين إن من قتل في سبيل الله ميت
إذ هو ي في البرزخ وليس بميت بل هو حي يرزق في الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ". (رواه مسلم).
فلذا لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات
ولكن استشهد وهو شهيد وحيّ عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها لمفارقتها للحياة في هذه الدار.
هداية الآيات للجزائري
- فضيلة الصبر والأمر به الاستعانة بالصبر والصلاة على المصائب والتكاليف
وفي الحديث ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)).
- فضل الشهداء على غيرهم بحياتهم عند ربهم حياة أكمل من حياة غيرهم في الجنة.
آية وحديث تفسر آية ١٥٣
وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ(45).
وأما قوله : ( والصلاة ) فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما قال تعالى : ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) الآية [ العنكبوت : 45 ] .
وأما قوله ( بالصبر )
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا؛
وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))
[ مسلم عَنْ صُهَيْبٍ]
وقد رواه ابن جرير ، من حديث ابن جريج ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن عبد العزيز بن اليمان ، عن حذيفة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
الصبر
أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه
ورضي الله عنه
قال في الصبر:
سأصبرُ حتى يعجُزَ الصبرُ عن صبري
وساصبرُ حتى ياذن الرحمنُ في امري
ساصبرُ حتى تذوبَ الجبالُ من صبري
وساصبرُ حتى يعلمَ الصبرُ إنّي صَبرت على شىءً امَر منّ الصبر..
من الأمثال الشعبية في الصبر
الـصـــــبر مـفـتاح الفــرج
الصـبر بلــسم الجـروح
الصبر مطـيـة لا تـكـبو وســـــيف لا ينبو،
الصبر شـــــــجرة جـذورهـا مرة وثمــــارها حلوة
من صبر ظــفر
مــن صبر وتـأنــي نـال ما تمنـى
والصـبر ستـر للكروب وعــون على الخـطوب..
عظم شأن الصلاة
من القرآن والسنة
عظّم الإسلام شأن الصلاة، ورفع ذكرها، وأعلى مكانتها، فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين،
كما قال النبي : { بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت } [متفق عليه].
والصلاة أُم العبادات: وأفضلُ الطاعات،
ولذلك جاءت نصوص الكتاب والسنة بإقامتها والمحافظة عليها والمداومة على تأديتها في أوقاتها.
منها آية اليوم :
قوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى) [البقرة: 238].
وقال تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43]،
وقال سبحانه وتعالى: )إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج: 23،22].
وكان آخر وصايا النبي قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى: { الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم } [أبو داود وصححه الألباني].
فالصلاة أفضل الأعمال:
فقد سُئل النبي عن أفضل الأعمال فقال: { الصلاة لوقتها }[مسلم].
والصلاة نهر من الطهارة والمغفرة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ } قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال:
{ فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا } [متفق عليه].
والصلاة كفارة للذنوب والخطايا:
فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تُغش الكبائر } [مسلم].
والصلاة حفظ وأمان للعبد في الدنيا:
فعن جندب بن عبدالله قال: قال رسول الله : { من صلى الصبح فهو في ذمة الله } [مسلم].
والصلاة عهد من الله بدخول الجنة في الآخرة: فعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله يقول:
{ خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة... الحديث } [أبو داود والنسائي وهو صحيح].
والصلاة أول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة: فعن عبدالله بن قرط قال: قال رسول الله :
{ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله } [الطبراني في الأوسط وهو حسن].
والصلاة نور:
فقد ورد عن النبي أنه قال:
{ الصلاة نور } [مسلم].
والصلاة مناجاة بين العبد وربه: قال الله تعالى في الحديث القدسي:
{ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي.. الحديث } [مسلم].
والصلاة أمان من النار:
فعن أبي زهير عمارة بن رُويبَة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول:
{ لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } [مسلم]. يعني الفجر والعصر.
والصلاة أمان من الكفر والشرك:
فعن جابر قال: سمعت رسول الله يقول:
{ إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } [مسلم].
وصلاة الفجر والعشاء في جماعة أمان من النفاق:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: { ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا } [متفق عليه].
واجب لهذا الأسبوع؟؟
تخيري عبارة من درس اليوم أو الغد
لتكون حالتك في الواتس
كشعار للدرس
الأمر اختياري
0 التعليقات :
إرسال تعليق