تفسير السعدي
الآيتين ١٥٩ - ١٦٠
هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب,
وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته,
فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله { مِنَ الْبَيِّنَاتِ } الدالات على الحق المظهرات له،
{ وَالْهُدَى } وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم,
ويتبين به طريق أهل النعيم, من طريق أهل الجحيم،
فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم, بأن يبينوا للناس ما منّ الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه،
فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين,
كتم ما أنزل الله,
والغش لعباد الله،
فأولئك { يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ } أي: يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته.
{ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } وهم جميع الخليقة, فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة,
لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم, وإبعادهم من رحمة الله,
فجوزوا من جنس عملهم،
كما أن معلم الناس الخير, يصلي الله عليه وملائكته, حتى الحوت في جوف الماء, لسعيه في مصلحة الخلق, وإصلاح أديانهم, وقربهم من رحمة الله, فجوزي من جنس عمله،
فالكاتم لما أنزل الله, مضاد لأمر الله, مشاق لله,
يبين الله الآيات للناس ويوضحها،
وهذا يطمسها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد.
{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } أي رجعوا عما هم عليه من الذنوب, ندما وإقلاعا, وعزما على عدم المعاودة
{ وَأَصْلَحُوا } ما فسد من أعمالهم، فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن.
ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضا, حتى يبين ما كتمه, ويبدي ضد ما أخفى،
فهذا يتوب الله عليه,
لأن توبة الله غير محجوب عنها،
فمن أتى بسبب التوبة, تاب الله عليه,
لأنه { التَّوَّابُ } أي: الرجاع على عباده بالعفو والصفح, بعد الذنب إذا تابوا,
وبالإحسان والنعم بعد المنع, إذا رجعوا،
{ الرَّحِيمُ } الذي اتصف بالرحمة العظيمة, التي وسعت كل شيء
ومن رحمته :
أن وفقهم للتوبة والإنابة فتابوا وأنابوا,
ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم, لطفا وكرما,
هذا حكم التائب من الذنب.
شرح الكلمات للجزائري
{ يكتمون }: يخفون ويغطون حتى لا يظهر الشىء المكتوم ولا يعرف فيؤخذ به.
{ البينات }: جمع بينة وهي ما يثبت به شيء المراد إثباته، والمراد به هنا ما يثبت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من نعوت وصفات جاءت في كتاب أهل الكتاب.
{ الهدى }: ما يدل على المطلب الصحيح ويساعد على الوصول إليه والمراد به هنا ما جاء به رسول الله من الدين الصحيح المفضي بالآخذ به إلى الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة.
{ فى الكتاب }: التوراة والانجيل.
{ اللعنة }: الطرد والبعد من كل خير ورحمة.
{ اللاعنون }: من يصدر عنهم اللعن كالملائكة والمؤمنين.
{ أصلحوا }: ما أفسدوه من عقائد الناس وأمور دينهم بإظهار ما كتموه والايمان بما كذبوا به وأنكروه.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيات ١٥٩ - ١٦٠
عاد السياق بعد الاجابة عن تحرج بعض المسلمين من السعي بين الصفا والمروة
عاد إلى التنديد بجرائم علماء أهل الكتاب،
ودعوتهم إلى التوبة بإظهار الحق والايمان به
فأخبر تعالى أن الذين يكتمون ما أنزله من البينات والهدى في التوراة والانجيل من:
صفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
والأمر بالإيمان به وبما جاء به من الدين،
هؤلاء البعداء يلعنهم الله تعالى وتلعنهم الملائكة والمؤمنون.
وفي الآية التي بعدها :
استثنى تعالى من المبعدين من رحمته من تاب من أولئك الكاتمين للحق بعدما عرفوه
فبينوا وأصلحوا فهؤلاء يتوب عليهم ويرحمهم وهو التواب الرحيم.
هداية الآيات للجزائري
- حرمة كتمان العلم وفي الحديث الصحيح " من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار ".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه في ظروف معينة: (لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم حديثاً) وتلا { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات } إلخ...
- يشترط لتوبة من أفسد في ظلمه وجهله اصلاح ما أفسد ببيان ما حرف أو بدل وغير، وإظهار ما كتم، وأداء ما أخذه بغير الحق.
شروط التوبة
ــ الإقلاع عن المعصية أي تركها فيجب على شارب الخمر أن يترك شرب الخمر لتُقبل توبته والزاني يجب عليه أن يترك الزنا، أما قول: أستغفر الله. وهو ما زال على شرب الخمر فليست بتوبة.
ــ العزم على أن لا يعود لمثلها أي أن يعزم في قلبه على أن لا يعود لمثل المعصية التي يريد أن يتوب منها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.
ــ والندم على ما صدر منه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الندم توبة« رواه الحاكم وابن ماجه.
ــ وإن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب بغير حق، أو أكل مال الغير ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة إما برد المال أو استرضاء المظلوم؛ أو بتغيير شهادة الزور، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«من كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم« رواه مسلم رحمه الله.
ــ ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم، فمن كان على الكفر وأراد الرجوع إلى الإسلام لا يقبل منه، ومن كان فاسقًا وأراد التوبة لا يقبل منه؛ قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) [النساء:17، 18].
وقد ورد في الحديث الشريف: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر«
رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ويشترط أن تكون قبل الاستئصال، فلا تقبل التوبة لمن أدركه الغرق مثل فرعون لعنه الله.
وكذلك يشترط لصحتها أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، لقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) [الأنعام:158].
ولما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام:
«من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه« رواه مسلم.
فمن أراد الله به خيرًا رزقه التوبة النصوح والكاملة والثبات عليها حتى الممات.
فما أعظم التوبة وما أسعد التائبين، فكم من أناس فاسقين فاسدين بالتوبة صاروا من الأولياء المقربين الفائزين.
جعلنا الله من التائبين الصادقين القانتين الصالحين و صلى الله عى نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله
عند ذكر أسباب النجاة من عذاب القبر :
من أنفعها أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة ،
يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ،
ثم يجدد له توبة نصوحا بينه وبين الله ،
فينام على تلك التوبة
ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ
ويفعل هذا كل ليلة ،
فإن مات في ليلته مات على توبة ،
وإن استيقظ استيقظ مستقبلاً للعمل
مسروراً بتأخير أجله حتى يستقبل ربه
ويستدرك ما فاته ،
وليس للعبد أنفع من هذه النومـــة ،
ولا سيما إذاعقب ذلك بذكر الله
واستعمال السنن التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم ،
فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك
كتاب الروح ص ٩٩
يارب نسألك توبة نصوحة
التوبة
يقال: تاب من ذنبه,أي رجع عنه توبة ومتاباً, والوصف منه تائب,
والتوب: ترك الذنب على أجمل الوجوه,
وهو أبلغ وجوه الإعتذار .
وصيتي لك ياحافظة
اوصيك ياأخية بتغيير الحال
و الإقبال على الله بكل مايحب ويرضى
وأن تهجري كل مايحول بينك وبين طاعة الله
فالتوبة رحمة من الله بابها مفتوح
عودي إلى مولاكِ
إن الله تعالى يقبل التوبة ويغفر الذنب لمن عاد واناب والله عز وجل يفرح بتوبة عبده
وهو سبحانه الغني عنا ونحن الفقراء اليه يحب عبادة التوابين
والبشرى للتائب في هذه الايات العظيمه
(إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما . ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا )
الله اكبر
كرم من الله السيئات تتبدل حسنات
الحمد لله
وقال تعالى ((قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ....)
ليس فقط ذنوب وتقصير بل إسراف على النفس بكثرتها
ومع ذلك الله تعالى يغفر الذنب متى مااقبل العبد اليه
جلعنا الله ممن إذا أذنبوا استغفروا
http://www.youtube.com/watch?v=ka1I8D4HAaE&feature=youtube_gdata_player
همسة تدبر
ذكر الله تعالى يفتح أبواب التوفيق والإعانة
(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)
لو لم يكن للصابرين فضيلة أو مزية إلاأنهم نالوا المعية من الله في قوله تعالى: {...إن الله مع الصابرين} لكفى بها فضلا ومنة وشرفا.
تفسيرالسعدي.
من أفتى في الدين فتوى باطلة بالهوى
فلا تقبل توبته
حتى يُعلن خطأه
لأن الله قال بعد لعن من أفتى بالباطل (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)
قولنا عند المصيبة "إنا لله وإنا إليه راجعون" و"قدر الله وما شاء فعل" قد نصبِّر بهما ألسنتنا عن التسخط، والعبرة بما يقع في القلب من حقيقة معناهما
0 التعليقات :
إرسال تعليق