{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ {وَلِكُلٍّۢ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَ ٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا۟ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ }
تفسير السعدي
الآيات ١٤٦ - ١٤٧- ١٤٨
يخبر تعالى: أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم,
وعرفوا أن محمدا رسول الله,
وأن ما جاء به, حق وصدق, وتقينوا ذلك,
كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم،
فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم, وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون،
ولكن فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به, كتموا هذه الشهادة مع تيقنها, وهم يعلمون
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ }
تسلية وتحذير
وفي ضمن ذلك, تسلية للرسول والمؤمنين,
وتحذير له من شرهم وشبههم،
وفريق منهم لم يكتموا الحق وهم يعلمون،
فمنهم من آمن [به]
ومنهم من كفر [به] جهلا،
فالعالم عليه :
إظهار الحق, وتبيينه وتزيينه, بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ومثال, وغير ذلك,
وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق, وتشيينه, وتقبيحه للنفوس, بكل طريق مؤد لذلك،
فهولاء الكاتمون, عكسوا الأمر, فانعكست أحوالهم.
{ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } أي: هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء,
لما اشتمل عليه من المطالب العالية,
والأوامر الحسنة,
وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها,
ودفع مفاسدها,
لصدوره من ربك,
الذي من جملة تربيته لك أن أنزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس, وجميع المصالح.
{ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } أي: فلا يحصل لك أدنى شك وريبة فيه، بل تفكَّر فيه وتأمل, حتى تصل بذلك إلى اليقين,
لأن التفكر فيه لا محالة, دافع للشك, موصل لليقين.
آية جامعة
كل أهل دين وملة, له وجهة يتوجه إليها في عبادته،
وليس الشأن في استقبال القبلة,
فإنه من الشرائع التي تتغير بها الأزمنة والأحوال, ويدخلها النسخ والنقل, من جهة إلى جهة،
ولكن الشأن كل الشأن, في امتثال طاعة الله, والتقرب إليه, وطلب الزلفى عنده
فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية،
وهو الذي إذا لم تتصف به النفوس, حصلت لها خسارة الدنيا والآخرة
كما أنها إذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة, وهذا أمر متفق عليه في جميع الشرائع,
وهو الذي خلق الله له الخلق وأمرهم به.
والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات،
فإن الاستباق إليها, يتضمن فعلها, وتكميلها, وإيقاعها على أكمل الأحوال, والمبادرة إليها،
----ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات,
----- فهو السابق في الآخرة إلى الجنات,
فالسابقون أعلى الخلق درجة
والخيرات تشمل
جميع الفرائض والنوافل, من صلاة, وصيام, وزكوات وحج, عمرة, وجهاد, ونفع متعد وقاصر.
ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير, وينشطها, ما رتب الله عليها من الثواب قال: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته, فيجازي كل عامل بعمله { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }
ويستدل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل،
كالصلاة في أول وقتها,
والمبادرة إلى إبراء الذمة, من الصيام, والحج, والعمرة, وإخراج الزكاة,
والإتيان بسنن العبادات وآدابها,
فلله ما أجمعها وأنفعها من آية"
شرح الكلمات للجزائري
{ آية }: حجة وبرهان.
{ يعرفونه }: الضمير عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يعلمون أنه نبي الله ورسوله لما في كتبهم من صفاته الواضحة القطعية.
{ من الممترين }: الشاكين والامتراء: الشك وعدم التصديق.
{ولكلٍ وجهة هو موليها }: التنوين في (كل) دال على محذوف، هو لكل أهل ملة كالإِسلام، واليهودية والنصرانية قبلة يولون وجوههم لها في صلاتهم.
{ الخيرات }: البر والطاعة لله ورسوله.
أيسر التفاسير للجزائري
الآيات ١٤٦ - ١٤٧ - ١٤٨
يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن الرسول حق
وأن ما جاء به هو الحق معرفةً تامةً كمعرفتهم لأبنائهم،
ولكن فريقاً كبيراً منهم يكتمون الحق وهم يعلمون أنه الحق،
ويخبر تعالى رسوله بأن ما هو عليه من الدين الحق هو الحق الوارد إليه من ربه فلا ينبغي أن يكون من الشاكين بحال من الأحوال.
بعد تقرير تلك الحقيقة التي تضمنتها آية
{ ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب }
وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى أهل الكتاب بكل آية تدل على صدقه في أمر القبلة ما تبعوا قبلته، النصارى يستقبلون بيت المقدس.
أخبر تعالى أن لكل أمة قبلة مولية وجهها إليها في صلاتها ،
فاتركوا أيها المسلمون أهل تلك الملل الضالة
وسابقوا في الخيرات
ونافسوا في الصالحات
شكراً لربكم على نعمة هدايته لكم لقبلة أبيكم إبراهيم
فإنه تعالى جامعكم ليوم القيامة وسائلكم ومجازيكم بأعمالكم إنه على كل شيء قدير
هداية الآيتين للجزائري
- علماء أهل الكتاب المعاصِرُونَ للنبي صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه النبي المبشر به وأنه النبي الخاتم واعرضوا عن الإيمان به وعن متابعته إيثاراً للدنيا على الآخرة.
- الإعراض عن جدل المعاندين، والإقبال على الطاعات تنافساً فيها وتسابقاً إليها إذ هو أنفع وأجدى من الجدل والخصومات مع من لا يرجى رجوعه إلى الحق.
نهج من مشهد قرآني
الآية ١٤٥ - ١٤٦
يصف فيه حال أهل الباطل وتمسكهم بباطلهم
فيجعلنا ياأهل الحق نتمسك بديننا الحق
وبما أننا لن نختار قبلة غير قبلة رسولنا التي اختارها الله لنا وميزنا بها ورضيها لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليرضيه...
فلنبدأ كل واحدة منا بنفسها وأهلها ومن لهم حق عليها ونقول مع العمل.....
سنتمسك بكل الدين كتمسكنا بالقبلة وأشد
لن نتبع منهجا إلاالمنهج الإلهي
لن نتشبه بالكفرة ولا بالسافرات
سنتميز بالشخصية الإسلامية مهما شق علينا الأمر في عصر الفتن
ونسلي النفس بأن الله لا يضيع عمل عامل
ويتجلى لنا عدله وإنصافه سبحانه هنا في الآية التي بعدها فقال فريقاً ولم يعمم
وأنصف أهل الكتاب فكيف بنا أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
فله الحمد وله الشكر
فإذالم نفعل ضاعت هويتنا الإسلامية
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يداً بيد نصل ونوصل جيل وراء جيل.
المشاعر الإيمانية
الآيات ١٤٧ - ١٤٨
أخواتي
لنتذكر الموت ونعمل لما بعده مما نحن قادمون عليه ومقيمون فيه،
ولا ننشغل عنه بما نحن راحلون عنه وتاركوه،
ولا تغرنا الآمال الطوال وننسى حلول الآجال،
فكم من متمن عند الموت أن يترك قليلاً ليصلح ما أفسد، ويستدرك ما ضيع،
ولكن لا رجوع
ولا مهلة ثانية
أخواتي
اليوم عمل بلا حساب
وغداً حساب بلا عمل
(فاستبقوا الخيرات )
كل شيء طلب فيه التأني
إلا العبادة عبر عنها بـ
استبقوا - سارعوا
العمر يجري فالنتسابق في الخيرات
وعمل الصالحات وحفظ وفهم الآيات
وليكن شعارنا :
(وعجلت إليك رب لترضى).
اللهم اجعلنا من المسارعين المسابقين للخيرات
وأنزلنا منازل السابقين المقربين
ياقريب يا مجيب ياكريم
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
0 التعليقات :
إرسال تعليق