تفسير السعدي
الآيتين ١٧٠ - ١٧١
أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله - مما تقدم وصفه -
رغبوا عن ذلك وقالوا: { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }
فاكتفوا بتقليد الآباء, وزهدوا في الإيمان بالأنبياء،
ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس, وأشدهم ضلالا
وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق, ورغبتهم عنه, وعدم إنصافهم،
فلو هدوا لرشدهم, وحسن قصدهم, لكان الحق هو القصد،
ومن جعل الحق قصده, ووازن بينه وبين غيره, تبين له الحق قطعا, واتبعه إن كان منصفا.
ثم قال [تعالى]:
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }
لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل, وردهم لذلك بالتقليد,
علم من ذلك أنهم غير قابلين للحق, ولا مستجيبين له, بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم،
أخبر تعالى, أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها, وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت, الذي تقوم به عليهم الحجة, ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم,
فلهذا كانوا صما, لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول, عميا, لا ينظرون نظر اعتبار, بكما, فلا ينطقون بما فيه خير لهم.
والسبب الموجب لذلك كله, أنه ليس لهم عقل صحيح, بل هم أسفه السفهاء, وأجهل الجهلاء.
فهل يستريب العاقل :
أن من دعي إلى الرشاد, وذيد عن الفساد, ونهي عن اقتحام العذاب, وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه, وفوزه, ونعيمه
فعصى الناصح, وتولى عن أمر ربه, واقتحم النار على بصيرة,
واتبع الباطل, ونبذ الحق -
أن هذا ليس له مسكة من عقل, وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء, فإنه من أسفه السفهاء.
شرح الكلمات للجزائري
{ ألفينا }: وجدنا.
{ مثل }: المثل الصفة والحال.
{ ينعق }: يصيح ولاسم النعيق وهو الصياح ورفع الصوت.
{ الدعاء }: طلب القريب كدعاء المؤمن ربه يا رب. يا رب.
{ النداء }: طلب البعيد كأذان الصلاة.
{ الصم }: جمع أصم فاقد حاسة السمع فهو لا يسمع.
{ البكم }: جمع أبكم فاقد حاسة النطق فهو لا ينطق.
{ لا يعقلون }: لا يدركون معنى الكلام ولا يميزون بين الأشياء لتعطل آلة الإِدراك عندهم وهي العقل.
أيسر التفاسير للجزائري
الآية الكريمة ١٧٠ - ١٧١
حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا الفواحش وحللوا وحرموا وشرعوا ما لم يأذن به الله ربهم،
وقال لهم رسول الله اتبعوا ما أنزل الله
قالوا لا، بل نتبع ما وجنا عليه آباءنا،
يا سبحان الله يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلاً، وضلالاً، أيقلدون أباءهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً من أمور الرع والدين، ولا يهتدون إلى ما فيه الصلاح والخير.
لما نددت الآية قبل هذه بالتقليد والمقلدين الذي يعطلون حواسهم ومداركهم ويفعلون ما يقول لهم رؤساؤهم ويطبقون ما يأمرونهم به مسلمين به لا يعرفون لم فعلوا ولم تركوا
جاءت هذه الآية بصورة عجيبة ومثل غريب للذين يعطلون قواهم العقلية ويكتفون بالتبعية في كل شيء حتى أصبحوا كالشياه من الغنم يسوقها راعيها حيث شاء فإذا نعق بها دعياً لها أجابته ولو كان دعاؤه إياها لِذبحها،
وكذا إذا ناداها بأن كانت بعيدة أجابته وهي لا تدري لم نوديت إذ هي لا تسمع ولا تفهم إلا مجرد الصوت الذي ألفته بالتقليد الطويل والاتباع بدون دليل.
فقال تعالى: { ومثل الذين كفروا }
في جمودهم وتقليد ابائهم في الشرك والضلال كمثل غَنَم ينعق بها راعيها الأمين عليها فهو إذا صاح فيها دعياً لها أو منادياً لها سمعت الصوت وأجابت
ولكن لا تدري لماذا دعيت ولا لماذا نوديت لفقدها العقل.
وهذا المثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلال إلى الإِيمان الهداية فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلال الجامدين كمثل الذي ينعق إلخ......
هداية الآيات للجزائري
- حرمة تقليد من لا علم له ولا بصيرة في الدين.
- جواز اتباع أهل العلم والأخذ بأقوالهم وآرائهم المستقاة من الوحي الإِلهي الكتاب والسنة.
- تسلية الدعاة إلى الله تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلال.
- حرمة التقليد لأهل الأهواء والبدع.
- وجوب طلب العلم والمعرفة حتى لا يفعل المؤمن ولا يترك إلا على علم بما فعل وبما ترك.
- لا يتابع إلا أهل العلم والبصيرة في الدين، لأن اتباع الجهال يعتبر تقليداً.
آية تفسر آية ١٧٠
قوله سبحانه: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} (المائدة:104).
قوله عز وجل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} (لقمان:21). ..
وقفة مع آية
قوله تعالى {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون}.
الكفار ينعقون وينادون بشعارات لا يفهمونها
رائعة من روائع القرآن الكريم
(ينعق بما لا يسمع ) حيث استعمل السمع بمعنى الفهم ، كالببغاء تردد الكلام ولا تفهمه
( صم )بتعطيل الفكر وإغلاق منافذ المعرفة.
(بكم ) لا ينطقون بالحق .
( عمي ) بعمى البصيرة .
( لا يعقلون )
ونبهنا القرآن في مواضع كثيرة لفتح منافذ المعرفة فقال سبحانه:
( أفلا تتفكرون )
( أفلا يتدبرون)
( أفلا تعقلون )
( أفلا ينظرون ) .
0 التعليقات :
إرسال تعليق